بطولات
واصلت سارة قائلة : أذكر أن إحدى الأخوات كانت مديرة لإحدى دور تحفيظ القرآن النسائية ،
تقول : لما افتتحنا الدار كان المبنى مرتفعا قليلا عن مستوى الشارع .. فكان هناك درج يحتاج
الداخل إلى المبنى لصعوده .. وكانت الطالبات يصعدن وينزلن بكل سهولة ..
في اليوم الأول للتسجيل في الدار فوجئت بامرأة كبيرة في السن .. جاءت تدفعها ابنتها على
كرسي متحرك .. فلما وصلت إلى الدرج .. جعلت تلتفت إلى ابنتها .. وتنظر إلى الدرج .. ثم
نزلت من كرسيها وأخذت تحبو على يديها وركبتيها على الدرج .. حتى دخلت الدار .. وسجلت
اسمها لتحفظ معنا القرآن .. ثم خرجت بالطريقة نفسها ..
وسمعت عن فتاة لها همة عظيمة أصيبت في حادث مروّع .. صارت بسببه معاقة مشلولة
على السرير أكثر من خمس عشرة سنة .. امتلأ جسمها قروحاً .. وتآكل اللحم بسبب ملازمتها
للفراش .. ولا تستطيع أن تخرج الأذى من جسدها إلا بمعاونة أمها .. لكن عقلها متدفق ..
وقلبها حي مؤمن .. فكّرت أن تخدم الإسلام .. فوجدت بعض الأساليب التي تنفع بها الدين ..
فاستخدمت ما تملك من قدرات .. !! تدرين ماذا فعلت ؟
أولا : جعلت بيتها مستودعا للمعونات للأسر المحتاجة .. حتى صارت ساحة البيت مليئة
بصدقات الناس التي يحضرونها وهي تتولى الاتصال بالأسر الضعيفة .. وإرسالها إليهم ..
وكم من جائع سدت هذه المشلولة جوعته .. وكم من عارٍ سترت عورته .. وكم من مريض
سعت في علاجه ..
ثانيا : إذا أرسلت المعونات للأسر المحتاجة .. ترسل معها كتباً وأشرطة نافعة .. وتقيم
المسابقات على هذه الكتب والأشرطة .. لتتأكد من سماعهم لها ..
ثالثا : لا تدع منكراً من منكرات النساء إلا وتتصل على صاحبة المنكر وتنصحها ..
رابعا : تسعى في تزويج الفتيات العوانس عن طريق المتابعة الهاتفية مع الثقاة
من أهل العلم والجمعيات الخيرية ..
خامسا : تساهم في إصلاح ذات البين وفي حلول المشاكل الزوجية .. إنها امرأة عجيبة والله ..
كانت أريج في غاية المتعة وهي تستمع وتستعيد في ذهنها ما سمعته مراراً من
المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة .. وما يردده بعضهم من أن المرأة مظلومة ..
مبخوسة الحق .. كسيرة الجناح .. و .. من غير شعور أخذت أريج تردد : رائع .. رائع ..
قالت سارة : بل هنا نقطة هامة .. عندما تطلق كلمة " يا أيها الناس " فالمقصود بها
في القرآن والسنة : الرجال والنساء ..
ففي القرآن أكثر من عشرين موضعا ينادي الله فيه الرجال والنساء بقوله " يا أيها الناس " ..
كما في وقله تعالى : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " ..
" يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " ..
" يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم " ..
" يا أيها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعا " ..
" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا " ..
نعم الرجال والنساء جميعا يناديهم ربهم نداءً واحداً .. وانتقلي معي إلى المدينة ..
وانظري إلى أمك أم سلمة - رضي الله عنها - .. وقد جلست يوما في بيتها وهو
ملاصق للمسجد .. وعندها جارية تمشط شعرها .. فبينما هي كذلك .. إذ سمعت
رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - يقول " يا أيها الناس " فقالت للجارية : استأخري
عني .. وقامت لتذهب للمسجد ..
فقالت الجارية : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء !!
فقلت : إني من الناس ( رواه مسلم ) .
قالت أريج : رضي الله عن أم سلمة .. طيب - سارة - هل تسمحين بسؤال ..
سارة : احظة .. بقي كلام قليل في موضوع المساواة .. ليتك تسمعين مني ..
أريج : تفضلي ..
سارة : الرجل والمرأة كما هما متساويات في الواجبات .. كذلك متساويان في الجزاء ..
قال تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) .. وقال : ( فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عمل عامل
منكم من ذكر أو أنثى ) .. وقال عز شأنه : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى
وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة وهم لا يظلمون نقيرا ) ..
وجميع الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال هي لكل المسلمين رجالا ونساءً ..
" من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنه " .. هي للرجال والنساء ..
" من صلى لله ثنتي عشرة ركعة في يوم تنفلا من غير الفريضة .. بنى الله له بيتا في الجنة .. "
هي للرجال والنساء ..
وهما متساويان أيضا في العقاب : ففي حالة انتهاك أي من الجنسين حداً من حدود الله
فإن العقاب واحد للذكر والأنثى دون تمييز .. ففي عقاب الزنا قال تعالى :
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )
وفي عقاب السرقة قال : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) ..
وفي عقاب النفاق والشرك قال : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات
ويتوب على المؤمنين والمؤمنات ) ..
وفي القيمة الانسانية .. جعل الله تعالى كلاهما مكرّم .. لا يجوز التنقص منه أو امتهانه ..
قال الله : ( ولقد كرمنا بني آدم ) .. بنوعيه الذكر والأنثى .. وحرّم تنقص المسلم عموما
رجلا كان أو امرأه ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا
خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ) ..
أكرمكم أتقاكم
كانت أريج تستمع إلى سارة بكل تركيز .. وسارة تتكلم بتدفق وحماس ..
وفجأة .. سكتت سارة قليلا وكأنها تدافع عبراتها .. وقد امتلأ قلبها محبة
لهذا الرب العادل جل جلاله .. كيف يتهمون الدين الذي شرعه وأكمله .. أنه
ظلم المرأة أو بخسها حقوقها ..
ثم قالت بكل عزة وحزم : مقياس التفاضل الوحييييد بين الرجل والمرأة هو التقوى ..
قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .. نعم : أكرمكم أتقاكم .. ليس أشدكم جسداً ..
ولا أقواكم ذكروة .. ولا أعظمكم فحولة .. وإنما أتقااااكم ..
بدت أريج متأثرة بما تسمع .. وقالت : ليت أكثر النساء اليوم المخدوعات بالدعوات
الماجنة التي تردد : حقوق المرأة .. حقوق المرأة .. يعقلون مثل هذه المفاهيم ..
ليتهم يدركون أن الله ليس بينه وبينهن ثأر ولا انتقام .. وإنما هن من خلق الله ..
تستطيع الواحدة منهن أن تبلغ أعالي الجنان وتسبق الرجال بتقواها ..
قالت سارة : صحيح .. بل أزيدك : حتى عند الزواج حفظ الكرامة لكل منهما ..
فقال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) .. وعن حكيم بن معاوية أنه قال :
يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : " أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا
اكتسيت .. وقال - صلى الله عليه وسلّم - : " ألا إن لكم على نسائكم حقا ..
ولنسائكم عليكم حقا .. "
وأمر الأولاد باحترام الرجل والمرأة .. أعني الأب والأم .. بل إن حق المرأة ( الأم ) أكبر ..
قال تعالى : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ) ثم بدأ بالأم فقال ( حملته أمه ) ..
فقدمها على الأب .. وفي الصحيحين أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :
من أحق الناس بحسن الصحبة ؟ قال : أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أبوك ) ..
مها .. في بنطال أحمر !!