في جزيرة الكنز لم تكن سارة تختلف كثيرا عن بنات جنسها ..
وجه جميل .. وقوام رائع .. وطلعة بهية .. منذ صغرها كانت متميزة ..
وكانت أمها حريصة على أن تتميز في كل شيء .. كانت غالية على قلبها ..
تخاف عليها من نسمات الهواء .. ولم تكن الأوضاع في جزيرة الكنز تختلف كثيرا
عن الأوضاع في كثير من بلاد المسلمين .. فإذا سرت في الشارع ..
رأيت المساجد شاهقة المآذن .. ووجوه المسلمين المشرقة تملأ الشوارع
بهجة وجمالا ..
كانت قلوب الرجال مليئة غيرة ومروءه .. فلم يكن أحد يجرؤ
أن يلطّخ سمعته بالتعرض لامرأة في طريق أو حافلة ..
وكانت النساء كذلك يلفهن غطاء الحياء .. وينشأن عليه ..
كانت أكثر النساء يلتزمن بالحجاب الشرعي .. يحمين أنفسهن من النظرات الزائغة ..
والكلمات الجارحة .. كان في الجزيرة عالم مشهور يحبه الناس .. يحبه الملوك والأمراء ..والكبراء والوزراء .. كان قد أوتي من القبول ما يجعل الجميع يصدرون عن رأيه ..كان عالما جليلا
في جزيرة الكنز .. لو قُدِّر أن تفتح التلفاز .. لما رأيت مغنية تشدو : يا ليل يا عين !!
ولا رأيت فيديو كليب يتمايل فيه مطرب راقص قد أسدل شعرات على عينيه
ونمص حاجبيه وحَقَنَ " السليكون " في شفتيه !!
لا .. لا ترى ذلك في تلفاز جزيرة الكنز .. بل حتى الدعايات التلفازية لا تكاد ترى
فيها امرأة !!
كانت الحياة في جزيرة الكنز جميلة وادعة .. لم يكن الناس يختلفون في مسائل الدين ..
كان العالم إذا أفتى قبل الناس فتواه وانساقوا إليها راضين .. وخطيب الجمعة إذا وجّه ..
تلقّى المصلون توجيهه بالقبول .. لم يكن يصل إلى هذه الصفة من الناس أي تأثير
خارجي .. إلا دعوات خافتة تنبعث من أفواه من تشربوا بأسلوب حياة آخر .. وفكر عدو !!
نعم كانت بعض الوسائل الإعلامية تعمل على استحياء لزرع الفساد .. من خلال مجلات
فاسدة .. أو قنوات ماجنة .. لكن تأثيرها كان قليلا .. أو قل : كان سطحيا ..
مرّت السنوات .. وتطورت وسائل الاتصال .. وصار يصل إلى الناس في جزيرة الكنز
بث فضائي مباشر .. ينقل إلى أهلها العفيفين .. ثقافات أقوام لا يحكمهم دين ولا مروءه ..
بدأ أصحاب الجزيرة يشاهدون قوما يعيشون كالبهائم بل هم أضل !! أكل وشرب ونوم ..
لا صلاة ولا صيام ولا غض بصر ولا حفظ فرج ..
بدأت النساء العفيفات في جزيرة الكنز يرين نساء لم يكتفين بالسفور
عن وجوههن بل سفرن عن سوقهن وأفخاذهن .. بل ربما سفرن
غير ذلك ..
كان ذلك العالم الجليل يصرخ بقومه : اتقوا الله .. احذروا تقليدهم ..
تمسكوا بدينكم .. كان يركز على النساء أكثر .. لا تهتكي حجابك ..
أنت جوهرة لا ينبغي لكل أحد النظر إليك .. أنت ملكة .. أنت أمنا
واختنا وابنتنا .. أنت ..
كان – رحمه الله – يمسك بحجزهم عن السقوط في الهاوية ..
وكان غيره من العلماء يفعلون ذلك .. من خلال أحاديث إذاعية ..
ولقاءات تلفازية .. وخطب جمعة .. وكتب وأشرطة ..
ويخافون أن تنخرق السفينة .. فتغرق ..
كان الناس يتقبلون منهم .. ويحبونهم .. مرّت السنوات ..
ولحق ذاك العالم بربه .. ومات آخر .. وثالث .. ورابع ..
وبقي العلماء الأحياء يكملون المسيرة المباركة .. ويحرسون السفينة
من الغرق ..
ظل الأعداء يصرخون .. أيها الناس التفتوا إلينا .. نحن في متعة
وسرور .. الشاب بجانب الفتاة .. وهي تتمتع بتكشفها !! في كل
مكان .. انظروا غليها بـِ " البكيني " على شاطئ البحر !!
تتمتع بالجو الجميل .. انظروا إليها في الطائرة تتمتع بحريتها
فتخدم المسافرين .. انظروا إليها في مطاعمنا .. تبرز مفاتنها ..
وتخدم الزبائن ..
كانت هذه الدعوات تصل إلى النساء في جزيرة الكنز .. لكنها
لا تلقى قبولا .. لأن الذين أطلقوها أغبياء .. لا يعلمون من أين
تؤكل الكتف .. فنساء عفيفات تربت الواحدة منهن منذ أن كانت
في مهدها على أن لا تبدي زينتها للرجال .. ولو خرج طرف
من أصبعها لرجل أجنبي عنها .. لضاق صدرها ..
واضطرب مزاجها .. فكيف تريدونها أن تُخرج وجهها أو ترمي
عباءتها .. أووووه يا للهول !!
رأى الأعداء أن أساليبهم للإفساد ونزع الحجاب لم تنجح ..
فأدركوا أن مواجهة التيار لا تفيد .. فعمدوا إلى سياسة تكسير الموجه !!
أي تفكيك حزمة العيدان وكسر كل عود على حدة ..
نظروا فإذا عباءات النساء واسعة ساترة ..
إذا مشت فيها المرأه لم يكتشف احد زينتها .. فقالوا لها :
نحن لا نقول لكِ : انزعي عباءتك !! .. لا .. لا .. حرااام ..
ولكن جددي في موديل عباءتك ..
فبدأ مصممو الأزياء يخترعون أشكالا للعباءة أضيق من العباءة الساترة ..
فهي على كل حال عباءة !!
لبستها بعض النساء فصارت العباءة كأنها فستان تزداد به جاذبية ..
فبدل أن كانت تلبس لستر الزينة صارت هي في نفسها زينة ..
استبشر الأعداء وشعروا أن الموجة بدأت تتكسر ..
فاخترعوا عباءات تلبس على الكتفين .. ثم عباءات تربط من الجنب ..
ثم عباءات ضيقة جدا تبرز مفاتن المرأة .. حتى صارت المرأة بهذه
العباءات تلفت النظر أكثر مما لو نزعت العباءة !!
بدأ المجتمع يضطرب .. والسفينة تتهاوى للغرق .. فلم يسكت المصلحون ..
أصدر العلماء الفتاوى .. واهتزت المنابر بالخطب الرنانة .. وانطلق الدعاة
يعظون وينصحون .. وخوفوا لابسة هذه العباءات من عاقبة فعلها ..
وأنها بذلك تبرز مفاتنها التي أمر الله بسترها ..
وكان التحريم في هذه العباءات الضيقة والشفافة المبرزة لمفاتن المرأه
واضحا لكل عاقل .. فبدأ يقل وينحسر .. وبدأت النساء تعود إلى العباءات
الساترة .. وإن كان لا يزال يوجد أعداد من النساء يتساهلن بلبس
هذه الأشكال من العباءات ..
أدرك الأعداء ذلك .. ورأوا أنهم يتعبون لإفساد الحجاب .. وزرع الاختلاط ..
فإذا تأثرت بذلك ألف امرأه .. وفرحوا بهذ الإنجاز .. أقبل داعية مفوّه
فتلا عليهن الآيات وسرد الأحاديث .. فتبن كلهنّ في لحظة واحدة ..
فإذا رأى المفسدون النساء التائبات .. عضوا أصابعهم وتهامسوا :
ياااا خساااارة .. !! نعم عرفوا أن الدين متمكن من القلوب ..
وأن المسلمة وإن تساهلت يوما فتكشّفت إلا أنها سرعان ما تعود ..
فمعدنها ذهب خالص .. بأدنى مسحة بيد رقيقة .. يذهب عنه الغبار ..
ويعود إلى بريقه ولمعانه .. وبعد تفكير طوييييل .. جاءت الطامة . !!
المسألة فيها خلاف !!
بدأ المفسدون يقلبون صفحات التاريخ .. وينظرون كيف مات الحجاب في بلاد المسلمين الأخرى ..
فرأوا أنه بدأ بالدعوة إلى كشف الوجه .. ثم لما انتشر ذلك وأصبح أمرا عاديا ..
بدأ الوجه يصبغ بأنواع الزينة .. ثم أصبح الحجاب يتلون بألوان زاهية ..
فصار الوجه أجمل .. ثم صار قماش الحجاب مزركشا مزينا بصور الورود ..
فازداد الوجه بهاءً .. ثم بدأ الحجاب يتسع فظهرت الجبهة كاملة ..
ثم أطراف الشعر .. ثم .. فبدؤوا في تطبيق هذه الخطة في جزيرة الكنز ..
كانت النساء في جزيرة الكنز يسترن وجوههن .. فظهر لهن من خلال القنوات
الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى من صحف ومجلات من يقول لهن : أصلا
تغطية الوجه غير واجب !! وأن المرأة يجوز لها أن تكشف وجهها !!
وهناك علماء يفتون بجواز كشف الوجه !! والمسألة فيها خلاف !! ثم ظهر
من أفتى النساء بجواز الخروج إلى الشوارع سافرات عن محاسن وجوههن ..
فمن نظر إليها تمتع بجمال خديها .. وسحر عينيها .. ونعومة شفتيها ..
كل ذلك جائز على اعتبار أن كشف الوجه جائز !! ولا يدخل في قوله
تعالى : " ولا يبدين زينتهن " !!
ما علينا ..
كانت سارة بعيدة عن التساهل بحجابها .. تمشي بين الناس ملكة في عرشها ..
الكل معجب بقوة شخصيتها وثباتها .. في كل صباح تزدحم الشوارع بالناس ..
ومن بينهم ترى أخوات مسلمات .. وقد حسرن عن محاسن وجوههن ..
كانت سارة تمر بهذه المناظر وهي ذاهبة إلى مكان دراستها .. لكنها كانت
مع عدد كبير من الطالبات ترتدي حجابا يغطي وجهها وجسدها .. كانت بعض
الطالبات يكشفن عن وجوههن .. وبعضهن يرتدين عباءات كالفساتين .. وكان عدد
من الشباب يتجمهرون عند رؤية الطالبات .. ليصطادوا من تقع في شباكهم ..
وكانت سارة تلاحظ أنها تمر أمامهم .. وهي بكامل حجابها .. فلا يجرؤ أحد
أن يلقي عليها رقم هاتفه .. أو يسمعها كلمة جارحة .. كانت عليها جلالة
ومهابة .. وكأن الملائكة تحرسها من كل جانب ..
في المستشفى !!
كانت أم سارة حاملا في الشهر التاسع .. والبيت كله يترقب مقدم هذا الضيف الصغير إلى الدنيا ..
اشتاق هذا الجنين إلى الدنيا .. وتحرك دافعا الرحم من حوله .. أحست أم سارة بآلام المخاض ..
وصلت للمستشفى .. وولدت غلاما جميلا .. وفي المساء ذهبت سارة مع أبيها لزيراة أمها ..
كان الزائر المعافى الذي يدخل المستشفى يتحسس تاج الصحة فوق رأسه الذي لا يراه إلا
المرضى .. المرضى يملؤون الغرف .. هذا مصاب بحادث .. وذاك بمرض في القلب .. وهذه
امرأة نفساء .. وتلك عندها أمراض في الرحم .. دخلت سارة على أمها .. كانت في الغرفة
مع أمها أربع نساء كلهن والدات ..
لمحت سارة من بين الزائرات فتاة وقورا .. يبدو عليها الذكاء والأدب .. قد لبست عباءة
فضفاضة غير مزينة .. لكنها كشفت وجهها .. فبدا كالقمر ليلة البدر .. يراه الأطباء
والممرضون والزوار .. جعلت سارة تتعجب .. كيف تبدي زينتها !! والله يقول
" ولا يبدين زينتهن " !! كانت سارة جريئة بأدب .. أقبلت إليها وسلمت عليها بلطف ..
وعرفت أن اسمها أريج .. ثم اكتشفت أنها جاءت زائرة لأختها الوالدة .. فدعت لهم
جميعا بالبركة والتوفيق ..
ثم استأذنتها قائلة : لي معك حديث خاص .. هل يمكن أن نجلس في غرفة الاستراحة
المجاورة .. جلست الفتاتان جاسة هادئة .. دارت فيها أحاديث مختصرة ..
اكتشفت خلالها شارة أن أريج كثيرة القراءة في الكتب الداعية إلى التبرج
والسفور باسم : تحرير المرأة .. وكأن المرأة رقيقة مملوكة تحتاج لمن يحررها ..
كانت معلومات سارة لا بأس بها .. مما شجعها إلى فتح نقاش طويل مع أريج ..
بين سارة وأريج
انتظرو الاجزاء الاخرى