تتقاطع الإشاعة مع الحقيقة بشأن "سفاح المعادي" وهو أحدث عنوان مخيف يطل على صفحات الحوادث في الصحف المصرية منذ الأربعاء 17 -1 -2007 لدرجة أن بعض وسائل الاعلام تحدثت عن تحول حي "المعادي" في جنوب القاهرة، وهو من أرقى أحياء العاصمة المصرية، إلى ثكنة مدججة برجال البوليس ونقاط التفتيش بحثا عن السفاح الذي يستهدف فقط الأعضاء الحساسة في البنات خصوصا اللاتي يرتدين "الجينز" الضيق، فيضع فيه آلة حادة ثم يفر هاربا ولا يظهر له أثر.
ويرى استاذ اجتماع شهير في لفظ "السفاح" مبالغة صحفية لأنه لم يقتل أيا من ضحاياه وتقتصر اعتداءاته على مواضع العفة، لكنه يحذر من خطورة ظواهر التحرش الجنسي الذي اكتسى بنوع من العنف بدءا من حالات السعار التي انتابت بعض الشباب في أول أيام عيد الفطر الماضي.
وأرجع ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية، مشيرا إلى أن وجود 11 مليون أعزب تخطوا سن الزواج، وتغير القيم والعادات الاجتماعية بالنسبة للجنسين.
اعتداء على خمس بنات
وكانت أجهزة الأمن المصرية قد وصفت في البداية الأحاديث المتداولة عن هذا السفاح بأنها اشاعة، ويبدو أنها محاولة منها لمواجهة حالة الفزع والرعب التي انتابت سكان حي معروف بالرقي والثراء ويقطنه عدد من الوزراء والسفراء ورجال الأعمال، ومن أشهر ساكنيه السفيران الأمريكي والإسرائيلي.
ثم ما لبثت الإشاعة أن لبست رداء من الحقيقة عندما تبين فعلا أن خمس بنات من حي المعادي تعرضن لاعتداءات في "مؤخراتهن" من هذا الشاب فالذي يصفه الزميل جمال عقل رئيس قسم الحوادث بجريدة الجمهورية في اتصال أجرته معه "العربية.نت" بأنه مجرد شاذ مولع بالأعضاء الجنسية للفتيات خصوصا اللاتي يرتدين ملابس ضيقة مثل "الجينز" وأنه غالبا ما يفاجئ الفتاة من الخلف فيغرس آلته الحادة في مؤخرتها ثم يولي الفرار مع أول صرخة تطلقها الضحية.
وأكد عقل أنه ليس سفاحا خطيرا "قمت شخصيا بإجراء تحقيق ميداني في الأماكن التي استهدفها في حي "المعادي" فلم أعثر على كثافة شرطية غير معتادة على خلاف ما نقله مراسلون لبعض الوسائل الإعلامية".
وقال: عرفت من المصادر الأمنية أنه سيتم القبض عليه خلال ساعات بعد أن جمعت التحريات كافة الأوصاف التي أدلت بها ضحاياه وكلها متطابقة، وتشير إلى شاب يعاني شذوذا نفسيا أو جنسيا.
فتاة قاومته بآلة حادة
وكانت الإشاعات قد أوحت بأنه شخص متطرف، يهاجم فقط صاحبات الملابس الضيقة التي تحدد مواضع العفة، لكن جريدة "المساء" الحكومية ذكرت اليوم "الخميس" أنه تتبع فتاة في منطقة البساتين المجاورة للمعادي وقام بكشف عورتها برفع "الجيب" الذي ترتديه من الخلف، لكنها عاجلته بـ"كتر" وهو آلة حادة صغيرة لقطع الأوراق، وأصابته بجرح في وجهه، فأسرع هاربا متوعدا إياها بالعودة إليها مرة أخرى للانتقام منها.
ويقول د. أحمد المجدوب استاذ الاجتماع والخبير بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية: الظاهر حتى الآن من خلال معطيات هذه الحوادث أنه شخص يعاني ميولا جنسية انحرافية أو من ثورة كبت جنسي، فهو لم يقتل ضحاياه والاصابات التي الحقها بهن ليست خطيرة، فكلهن خرجن من المستشفى بعد تلقيهن الإسعافات الأولية ما عدا حالتين تم تنويمهما لمدة يوم واحد لحاجتهما لعلاج أطول.
محاضر في الشرطة
جميع الفتيات اللاتي تعرضن للاعتداء أبلغن أقسام الشرطة، وآخرهن فتاة البساتين التي أسرعت إلي قسم شرطة البساتين، وحررت محضراً بالواقعة، فانتقل اللواء إسماعيل الشاعر مساعد أول وزير الداخلية لأمن القاهرة، إلي قطاع مباحث جنوب القاهرة، وقام بفحص البلاغ ومناقشة المجني عليها التي أدلت بأوصاف كاملة للمتهم، وأخطرت جميع المستشفيات والصيدليات بالمنطقة بأوصافه والجرح الذي أصابه، في محاولة للإيقاع به خلال الساعات القليلة القادمة.
وأشار مصدر أمني إلى أن التحريات من خلال سؤال المجني عليهن تشير إلى أن عمره يتراوح بين 20 و30 عاما، وترجح شذوذه وأنه معقد نفسيا لأنه يعتدي فقط على الموضع الخلفي، وارتكب تلك الاعتداءات في كل من المعادي وحدائق المعادي والبساتين وكلها مناطق متجاورة، وكانت أول ضحاياه تلميذة ثانوي، وبعدها بيوم واحد كرر ذلك مع موظفة أثناء عودتها من عملها.
تحرشات جنسية متصاعدة
ويقول د. أحمد المجدوب لـ"العربية.نت": هناك تحرشات جنسية متصاعدة خلال العقدين الأخيرين أدت إليه عوامل البطالة وانتشار "البانجو" - نوع من المخدرات - والزخم الجنسي الشديد الذي يعيشه الشباب والفتيات بفعل أجهزة اللاقط الفضائي "الستالايت" وموجة العري، والمجلات، والسينما.
ويشير إلى خطورة اقتران التحرش بالعنف ومحاولة فرضه بالقوة على الضحايا كما حدث في أول أيام عيد الفطر الماضي، مشخصا ما فعله شاب المعادي بأنه مجرد صرخة احتجاج فهو يصيب ضحيته بجروح بسيطة في موضع عفة، بواسطة سلاح أبيض ويهرب، بما يعني أنه أسلوب للتنفيس عن الجنس المكبوت الذي لا يستطيع الوصول إليه بالطرق الشرعية.
خطوبة للمتعة في الإجازة
ويؤكد د. المجدوب أن قيما وعادات وتقاليد الزواج تغيرت في المجتمع فأصبحت مادية بحتة، فالأسر تبحث عن المستوى المادي للعريس ولا يهمها كثيرا أخلاقياته وعائلته، مشيرا إلى بروز طبقة "المسافرين للخليج" الذين تقبل عليهم الأسر لمجرد أنه في امكانهم توفير سيارة وشقة.
وقال إن بعض أفراد هذه "الطبقة" لا يسعى للزواج الحقيقي رغم أنه يتقدم للأسرة طالبا يد ابنتها وتتم الخطبة فعلا، فهو يقضي اجازته متمتعا بما تتيحه له هذه الخطبة مع الفتاة، وبعد عودته لعمله ينسى كل شئ وتنتهي أواصر خطبته، وأشار إلى وقوع حالات ضحايا لهذا النوع.
عري لجذب العرسان
ويوضح أن تعري الفتيات تحول إلى أداة جذب للزواج تحث عليه بعض الأسر، وهذا انقلاب خطير في القيم الاجتماعية، على حد قوله، فالأم تغضب من ابنتها إذا ارتدت ملابس محتشمة، وتطالبها بالكشف عن المزيد من جسدها لكي تتزوج.
وقال: العري هو لحم مكشوف أو معروض، والمحروم عندما يجد اللحم بهذه الطريقة يلجأ لسرقته. أما الانقلاب الأخطر الذي يشير إليه المجدوب فيتمثل في أن الأسرة خرجت من معادلة اختيار زوج لابنتها في ظل بروز تيار كامل يناصر النساء ويضعهن في مرتبة مساوية للرجال في كل شئ.
وشرح ذلك بأن غرور الانثى دفعها إلى أن تكون صاحبة القرار الأوحد في اختيار عريسها، فبمجرد علاقة حب تربطها بشاب يكفي لأن تقدمه لأسرتها دون حاجة لتحري الأسرة عنه وعن عائلته كما هو الوضع الطبيعي